الملخص : استقطاب المتطوعين الخيريين مهمة ليست سهلة وسط مجتمعات تظن أن التقدم والحداثة يقترنان اقتراناً لا ينفصل بالتخصص وتوزيع المهمات والأدوار، فلا تتقبل هذه المجتمعات العمل في كثير من الأحيان إلا من ذي صفة، حتى لو كان العمل تطوعياً يؤدي الفرد المتطوع من خلاله أدواراً تصب مباشرة في مصحلة غير القادرين في هذه المجتمعات، وهذا السبب ـ إضافة إلى العديد من الأسباب ـ يعتبر من أكبر التحديات التي تعوق المؤسسات في الحفاظ والإبقاء على متطوعيها بالشكل الذي يخدم الجميع في الحال وفي المستقبل.
نص المقالة :
بقلم : أحمد فتحي النجار.
استقطاب المتطوعين الخيريين مهمة ليست سهلة وسط مجتمعات تظن أن التقدم والحداثة يقترنان اقتراناً لا ينفصل بالتخصص وتوزيع المهمات والأدوار، فلا تتقبل هذه المجتمعات العمل في كثير من الأحيان إلا من ذي صفة، حتى لو كان العمل تطوعياً يؤدي الفرد المتطوع من خلاله أدواراً تصب مباشرة في مصحلة غير القادرين في هذه المجتمعات، وهذا السبب ـ إضافة إلى العديد من الأسباب ـ يعتبر من أكبر التحديات التي تعوق المؤسسات في الحفاظ والإبقاء على متطوعيها بالشكل الذي يخدم الجميع في الحال وفي المستقبل.
والمتطوع داخل المؤسسة الخيرية شخص طبيعي من الأشخاص العاديين الذين يتمتعون بصفات وسمات شخصية تجعلهم ينحازون إلى الإنسان في أوهن حالاته وفي كل احتياجاته، وكلما دعت الضرورة، دون أن يكون هناك حاجة مادية أو نفع مباشر سيعود عليه جراء ذلك.
وتعاني الكثير من الجمعيات والمؤسسات، التي تعتمد على المتطوعين، لاسيما في الدول غير المتقدمة، في عملية استقطاب المتطوعين، وتوظيفهم بالشكل الذي يرضي طموحات المؤسسة وطموحات المتطوعين أنفسهم، وتعاني معاناة أشد في عملية الحفاظ والإبقاء عليهم ليقوموا بالدور الفاعل نفسه في المستقبل، الذي يظن أنهم قاموا به في الحال. وعملية الإبقاء على المتطوع داخل المؤسسة الخيرية قد يعوقها الكثير من الأمور والأسباب، وهي ما تجعل المتطوعين أدعى للتسرب من منظومة العمل التطوعي، وعدم العودة من جديد إلا في ظروف وفي أسباب موائمة.
ومن أسباب تسرب المتطوعين من منظومة العمل التطوعي ما يلي:
• أسباب متعلقة بالجهة الخيرية:
تختلف العوائق التي تعمل على عدم اندماج المتطوع لوقت طويل في منظومة العمل الخيري، وتساعد على تسربه من الوسط الذي يجتذبه نحو عمل وعطاء ينفع به نفسه وأمته ومجتمعه، ويكون له حجة وهو بين أيادي الله ـ سبحانه وتعالى ـ لأسباب كثيرة ومختلفة، منها:
- روتينية العمل وعدم التحفيز:
العمل الروتيني والاعتيادي بالشكل الذي يفقد المتطوع الإثارة وروح العمل من الأشياء التي تجعله ينقطع ويتسرب عن المشاركة حتى لو كانت لديه الدوافع الشخصية التي تحضه على الانخراط في هذه المنظومة الخيرية، ولكنه بعد وقت قصير قد يفقد الحماس المطلوب، ويتوقف عن العمل، أو يسعى للتطوع في مكان آخر قد يجد فيه ما يريد أن يقوم به بشكل غير تقليدي.
- إنشغال الجهة الخيرية عن المتطوع:
انشغال الجهة الخيرية عن المتطوع لسبب أو لآخر من الأشياء التي تفقد الفرد المتطوع القدرة على مواصلة العمل، لا سيما إن واجهته عقبات لا يستطيع مواجهتها وحده، كما أن الثقة الممنوحة في المتطوع قد تنعكس بشكل سلبي يجعله يعجز عن مواصلة دوره، أو تزيد هذه الثقة عن حده فيصبح الفرد بذاته جهة خيرية، وهذا ما قد يسبب الأذى للفئات التي ترعاهم الجمعيات والجهات الخيرية إذا كان دوره يصب في مصلحتهم، ولذلك يتوجب على الجهات الخيرية التي يندمج فيها آحاد وجماعات المتطوعين عدم الانشغال عنهم، والتواصل معهم بشكل ممنهج، بما يجعلهم يستمرون في القيام بأعمالهم التي تخدم المؤسسة الخيرية والمجتمع.
- عدم القدرة على الابتكار في الأداء:
من المعروف يقيناً أن هناك قطاعا كبيرا من المتطوعين إنما يقبلون على الانخراط في المنظومة الطوعية، ليس لحبهم المجرد في العمل العام، ولكن لأنهم قد يرغبون في اكتساب الكثير من المهارات والخبرات الجديدة التي قد تكون لدى هذه الجهات الخيرية، باعتبارها نافذة تنموية تتطلع للتنمية الإنسانية والمجتمعية الشاملة، وتمتلك في سبيل ذلك أحدث التقنيات والآليات التي تساعده في تطبيق الخطط التي تضعها من أجل الوصول إلى هذا الهدف، وتكون الأدوات التقليدية بالنسبة للمتطوع الذي قد يرغب في تحصيل المهارات والخبرات بمثابة الصدمة التي تقوده ـ وإن قبل الدور التطوعي الذي يقوم به ـ إلى التسرب بعد وقت قصير؛ لأنه لم يجد لدى الجهة الخيرية ما كان يريده.
• أسباب متعلقة بالمتطوع:
المتطوع حالة نفسية، ومزيج مختلف من المشاعر الإنسانية الأكثر نضجاً وسمواً، وهو الفأس الذي يضرب في الصخر ليخرج الكنز ويقدمه بترفع وسمو لمجتعه وأهله، دون أن يناله منه قليل أو كثير، والمتطوع قد يتعرض لأسباب أو لأخرى تجعله يتسرب من منظومة العمل التطوعي، وقد يعود أو لا يعود من جديد، ومن هذه الأسباب:
- مستجدات تحل وتعيق مواصلته لدوره التطوعي:
الشخص المتطوع إن لم يكن يسير وفق أجندة وخطط ثابتة، ومحددة سلفاً، ولوقت طويل فإن أوهن المستجدات التي تحل عليه تجعله يضيق ذرعاً بدوره الذي يقوم به ويتسرب، وقد لا يعود مجدداً للعمل التطوعي، ومن مثل هذه المستجدات إيجاد عمل جديد يدر عليه الدخل إن كان متعطلا، أو الانتقال للعيش في مكان بعيد، فقدان أو مرض أحد الأحبة، وغيرها من المستجدات، ولكن تجربة الانخراط في المنظومة التطوعية إذا كانت شيقة ومثيرة مع حدوث المستجدات فإنها ستجد في نفس المتطوع ما يحفزه على تكرار التجربة أو عدم التسرب على لإطلاق.
- صعوبة العمل:
العمل التطوعي قد يبدو للوهلة الأولى أنه عمل ميسر وسهل، وهو بالفعل كذلك في جل الحالات، ولكن في بعض الأحيان يتسم بالصعوبة، لا سيما في أوقات الطواريء والظروف غير العادية؛ مما لا يروق لبعض الفئات من المتطوعين، وهذه الصعوبة والضغوطات قد تتسبب في تسربهم وانفصالهم النهائي أو المؤقت عن هذه المنظومة الإنسانية، ومن ثم يجب مراعاة الجوانب الشخصية والنفسية لكل متطوع بحيث لا تزيد مستويات الصعوبة في العمل عما لا يطيق، قال تعالى: (( لا يكلف الله نفساً إلا وسعها )).
• عوائق مجتمعية:
للمجتمع ـ أيضاً ـ يد في تسرب المتطوعين من العمل؛ مما يساهم في تقليص فرص التنمية والتقدم التي قد تعود على الجميع من جراء هذا العمل، وهناك أشكال وصور وأسباب كثيرة تكون هي الذريعة التي يتذرع بها المتسرب لتكون حجة في عدم عودته من جديد، أو انتظار الفرصة التي تزول فيها هذه الأسباب، ومنها ما يلي:
- التناحر السياسي والاختلافات الفكرية:
الاختلافات الفكرية والصراعات السياسية سبب يجعل المجتمع أو بعض فئاته في حالة تنكر وذم متواصل للمتطوع ولدوره، رغم أن هذا العمل في كل حالاته عمل إيجابي يصب في المصلحة العامة، وينعكس على الجميع، ولكن فئات كثيرة من المختلفين فكرياً وسياسياً يظنون أن هذا العمل سيصب في خانة الجهة أو الحزب أو التيار الذي يقوم بهذا العمل لصالح الجميع، وهو ما سيكسبهم تعاطفاً شعبياً يجعلهم في مركز قوي بين الجميع، ولذلك فإنهم يعملون على إحباط المتطوعين بمختلف الصور والأساليب، بما يجعلهم ينسحبون من العمل التطوعي بلا رجعة، ولكن في مثل هذه الحالات، عندما تكون الجهة التي ترعى المتطوعين لا ترتجي من جراء هذا العمل سوى وجه الله تعالى وتقديمه بشكل خيري إنساني لا يهدف إلا للمصلحة العامة، فإنهم سيحققون أفضل النتائج على الإطلاق، بل إن الأمر سيدر عليهم المزيد من المتطوعين والداعمين على مختلف أشكالهم وألوانهم وصورهم.
- طول مدة العمل:
طول مدة العمل، لا سيما إن كان العمل ميدانياً، وعدم تحقيق نتائج مباشرة، ينعكس سلبياً على نبض الناس ومشاعرهم، التي تتبلور بشكل سلبي يصيب المتطوعين مباشرة، ويجعل كلمات النقد بصورة فيها الكثير من اللوم. وتحقير العمل شيء سيئ يسبب للمتطوع الحرج إن لم يكن يتمتع بالمرونة الكافية من خلال التعبئة والرعاية النفسية التي يراعى العمل بها قبل وإبان العمل، ويراعى بناء المتطوع نفسياً من قبل المؤسسات الخيرية والتي تهتم بتنمية المجتمع عن طريق منظومة العمل التطوعي من أجل تقوية الاستعداد لتحمل النقد، وتحويله من مشاعر محبطة إلى عمل يحفز على بذل المزيد من الجهود للإنجاز وتحقيق الأهداف الإنسانية المنشودة، ويظل مثل هذا النقد ـ الذي لا يتقبله المتطوع ـ إن لم يتم توظيفه توظيفاً وقتياً إيجابياً، من الأسباب التي تساعد على تسرب المتطوعين من المؤسسة الخيرية ومن المنظومة التطوعية.
والله من وراء القصد ،،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق